الثلاثاء، 16 ديسمبر 2008

ابيي فى متاهة الاحداث و الخارطة


ابيي فى متاهة الاحداث و الخارطة اتيم سايمون
ان تتصاعد وتيرة الاحداث فى منطقة أبيي على هذا النحو وللمرة الثانية خلال العام الجارى ابتداء من احداث مايو الماضى ومرورا عند التوترات الاخيرة يوم الجمعة الماضية 12 ديسمبر، يؤكد للمتابع والمهتم الحصيف ان اتفاق خارطة الطريق الاخير الموقع بين شريكى الحكم فى المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية انما اتخذ فى مظهره العام شكلا من اشكال تطييب الخواطر اكثر من كونه وثيقة سياسية ناجعة تضع حدا فاصلا لتعقيدات الصراع حول المنطقة، اذ ان برتوكول حسم نزاع أبيى المضمن فى اتفاقية السلام الشامل قد اوضحت ملامح وابعاد التنازع حول المنطقة بعد ان اختار للخروج من القضية آليات محكمة يتراضى عليها الطرفين، إلا ان التثاقل الظاهر لمؤسسة الرئاسة وبالتحديد فى الجانب المتعلق بالمؤتمر الوطنى ومشايعيه هى التى اودت الى تلك الصورة الكارثية التى عاشتها المنطقة بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل الذى انهى الحرب الطويلة فى كل السودان عدا أبيى وحدها التى استقر فيها شبح الحرب بصورة تكاد تكون مخيبة لآمال مواطنى المنطقة وهم يعدون العدة لمعاودتها بعد عقدين كاملين من النزوح والمعاناة و التشرد، بيد ان تلك الامال ما كان لها إلا ان تتفرق بمجرد ان شهدت أبيى حريقا لا عهد لها به من قبل وتهدر ارواحا عديدة علاوة على ضياع كل ثمار ومكابدات الاغتراب الطويل بفعل انشغال سادة الحكم فى الخرطوم بأولويات اخرى ليس من ضمنها حتما مصلحة المواطنين السودانيين فى منطقة أبيي والتى لطالما تم الاستدلال عليها كنطاق امثل لنماذج التعايش السلمى فى السودان والغريب ان تلك الاشارات الايجابية نفسها لم تتم إلا فى الزمان الذى كانت الحرب هي المعلم الوحيد البارز على جدار العلاقة ما بين الشمال والجنوب.
ان الوقت الذى انقضى منذ التوقيع على اتفاق خارطة أبيى عقب الاحداث الاولى وتشكيل الادارة المؤقتة فى المنطقة وفق الصلاحيات المعبر عنها فى الخارطة نفسها كان كفيلا بفضح النوايا الكامنة وراء تجاهل نداءات حكومة أبيي خاصة فى الجوانب المتعلقة بالميزانية وتجنيب نصيب المنطقة المجمد للاعوام الثلاثة الماضية اضافة الى العقبات الكبيرة المتعلقة بالترتيبات الامنية وسحب الجيشين من عمق المدينة، دعك عن الوعود بالتنمية واعادة الاعمار ومن ثم تحقيق عملية المصالحة والسلام بين مجتمعات الدينكا والمسيرية سيما وان حالة الاحتقان الماثلة فى المنطقة ترتبت على وضعية الاستقطاب السياسي لتلك المجتمعات على مر الحقب الماضية، لتبدو الصورة المنطقية المقبولة لتفسير هذا التجاهل الرسمي من قبل مؤسسة الرئاسة نفسها هو اختلاف وجهات النظر وتباين المواقف المفضية لتجاوز الازمة السياسية الناجمة عن عدم اعتراف المؤتمر الوطنى بنتائج تقرير الخبراء من لحظة اعلان نتائجه.
بناء على كل تلك المعطيات فان الازمة التى ظلت تعيشها منطقة أبيي على الصعيدين السياسى والامنى جعلت العديد من تقارير المنظمات الدولية الصادرة فى خصوص سير تنفيذ اتفاقية السلام الشامل تبدي قدرا كبيرا من الحذر والاستياء من طريقة تعامل حزب المؤتمر الوطنى مع ملف الازمة، مرشحة الاوضاع فى المنطقة الى المزيد من التعقيد اذا ما استمر تعمد التعامي عن احتياجات انسان المنطقة التنموية والتى من شأنها ان تعيد تهدئة النفوس وبناء الثقة فى مؤسسة الدولة، ونحن بدورنا ننظر الى خارطة الطريق وبعد الوقت الذى انقضى منها بنفس معيار النظر الى الاتفاقات المنخفضة التى اعتاد عليها المؤتمر الوطنى كالتراضى الوطنى مشفقين فى نفسه على القدرة العظيمة من اللامبالاة والتهاون بالسلام (المسلح) فى ظل ظروف داخلية وخارجية لا تساعد على المراوغة او حتى الاستهبال واستسهال ارواح المواطنين فى أبيي مقابل المطامع النفطية المبالغ فيها لحزب المؤتمر الوطنى حسب تقديرات تنظر الى نهاية الفترة الانتقالية فى العام 2011م.
لم تتعد المناشدات الاخيرة التى اطلقتها بعثة الامم المتحدة والمنظمات المدنية بأبيي ابان احداث الاسبوع الماضى، لم تتعد النداء المعتاد كل مرة باعطاء الاولوية لتحقيق التعايش والسلام الاجتماعى، لكن ماذهب اليه رئيس لجنة المنسقية العليا لمجتمع أبيى المدنى فى واحدة من التصريحات المهمة من ان تشكيلة القوات المشتركة بالمنطقة انما انبنت على العناصر التى شاركت فى الاحداث الاولى وهى على هذا الاساس معبأة نفسيا للحرب اكثر من امكانية المساهمة فى خلق حالة الاستقرار بالمنطقة، و نضيف انه اذا لم تتوصل الاطراف الرئيسة فى حكومة الوحدة الوطنية والادارة المؤقتة بالمنطقة الى ان فرص تعزيز الامن انما تتطلب احترام سلطة وسيادة القانون وهو الشيء المفقود بالدرجة الاولى كما اسلفنا القول ويحتاج بناؤه لجهد جبار ونوايا حسنة لتنفيذ اتفاقية السلام وانتظار نتائج التحكيم المتوقعة من محكمة لاهاي فى مسألة الحدود الادارية للمنطقة, وتلك الاخيرة تعد واحدة من عوامل تخوف المؤتمر الوطنى الذى رفض نتائج الخبراء (الاجانب) ولا ادرك كيف سيستوعب للمرة القادمة نتائج محكمة لاهاي (الاجانب) ايضا فكل شيء ممكن فى اللعبة السياسية فى السودان إلا المعجزات!!
تظل مسألة ضمانات تنفيذ خارطة طريق أبيي محدودة تماما فى مقامها المتعلق باعادة المدنيين واعمار المنطقة واقامة مؤتمرات موسعة للتعايش بين الدينكا والمسيرية مرتبطة الى الحد البعيد بتوفير الدعم اللازم لادارة أبيي المؤقتة وتسريع نتائج التحكيم الدولي حول الحدود حتى يجد برتوكول أبيى طريقا للخروج من المتاهة التى حشر داخلها عنوة بفعل اعتبارات مثالية تخص الحركة الشعبية وهى تقبل تفاوضا جديدا خارج البرتوكول والاتفاقية افضت فى النهاية الى ادارة معلقة ومواطنين هائمين.. فهل افلحت خارطة الطريق؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق