الخميس، 18 ديسمبر 2008















الشباب والتربية الديمقراطية
نقد الواقع والممكنات





أتيم سايمون مبيور






ديسمبر2007





مقدمـة
تحاول هذه الورقة أن تستعرض واحدة من القضايا المهمة والمتعلقة بالمسألة الشبابية ككل، وعلاقتها بعملية التربية الديمقراطية من خلال مقاربة الواقع السوداني الراهن بالنسبة للشباب وما يتمثله من هذه المعايير الديمقراطية في المجتمع الكبير، وتسعي الورقة لتقديم نظرة شاملة للمفهوم الخاص بالشباب وكذلك ما يتعلق بالتربية الديمقراطية كمضمون ينعكس بوضوح في قضايا التنشئة والمشاركة السياسية أو التثقيف المدني، مع محاولة ربطها بحال واقع الشاب في السودان وما يواجهه من تحديات كبيرة تحول دون اندماجهم في المؤسسة الاجتماعية وبالتالي ضمان مشاركتهم الفاعلة كشريحة تشغل الجزء الأكبر من الحيز السكاني في السودان، وهي تحديات ومشاكل أرستها عبر الزمن الماضي سياسات بعينها سعت إلى وضع الشباب في مقام الهامش المجتمعي.

تعريف الشباب
لابد أن سؤال من هم الشباب، ظل يشكل هاجساً ملحاً أمام أي محاولة لإضفاء نوع من الواقعية على المفهوم العام للشباب، في التعامل معه من مختلف الوجهات التعريفية والمقاربات التوصفية، وهو ما يجعل من تعريف الشباب عملية تحفها المزالق العلمية عند تناول كلمة شباب من الناحية العمرية، فإلي جانب المقاربة العمرية نجد هناك المقاربة البيولوجية النفسية التي تحصر الشباب في الملامح والتطورات الفيزيولوجية التي تبصم لحظة الانتقال من الطفولة إلى الشباب ومنه أيضاً إلى النضج أو الشيخوخة. ونلاحظ أيضاً صعوبة الاتفاق على تعريف واضح للشباب كمفهوم موحد وشامل، باعتبار اختلاف الأهداف المنشودة من وضع التعريف بجانب تباين المفاهيم والأفكار العامة التي يقوم عليها التحليل الذي يخدم تلك الأهداف، لذلك أصبح مفهوم الشباب قائماً على أساس المداخل والاتجاهات المعرفية التي تحدد مستويات معينة لتجاوز هذه الصعوبة المفاهيمية وقد انحصرت في ثلاثة اتجاهات هي:-
1- الاتجاه البيولوجي: وهو يؤكد الحتمية البيويولوجية باعتبار الشباب مرحلة عمرية أو طور من أطوار نمو الإنسان الذي فيه يكتمل نضجه العضوي الفيزيقي، وكذلك نضجه العقلي والنفسي والذي يبدأ من سن 15-25 وهناك من يحددها 13-30.
2- الاتجاه السيكولوجي: يرى هذا الاتجاه أن الشباب حالة عمرية تخضع لنمو بيولوجي "النمو العضوي" من جهة، ولثقافة المجتمع من جهة أخرى، بدءاً من سن البلوغ وانتهاءً بدخول الفرد إلى عالم الراشدين الكبار حيث تكون قد اكتملت عمليات التطبيع الاجتماعي. وهذا التعريف يحاول الدمج بين الاشتراطات العمرية والثقافية المكتسبة من المجتمع.
3- الاتجاه السوسيولوجي "الاجتماعي": ينظر هذا الاتجاه للشباب باعتباره حقيقة اجتماعية وليس ظاهرة بيولوجية فقط. بمعني أن هناك مجموعة من السمات والخصائص إذا توافرت في فئة من السكان كانت هذه الفئة شباباً.
في استجماع خلاصات هذه المقاربات المفاهيمية يمكن القول بأن الشباب يبقي فئة اجتماعية تحتل مكانة بارزة في النسيج المجتمعي، و محددة سلفاً بشروط الإنتاج وإعادة الإنتاج الاجتماعي في مجتمع معين، واعتباراً لكونه معطي اجتماعياً فهو يشير إلى مرحلة عمرية تأتي بعد مرحلة الطفولة، وتلوح خلالها علامات النضج البيولوجي والنفسي والاجتماعي وجدير بالذكر أن كل تعريف اجتماعي للشباب يظل مرتبطاً بشروط إنتاجه الاجتماعية. فكل عقل جمعي ينتج شبابه ويحدد احتمالات الارتقاء الاجتماعي إلى هذه الفئة أو السقوط منها. بحيث تبقي لدرجة التعقيد المجتمعي دور حاسم في تحديد الارتقاء أو السقوط. فعن أي شباب نتحدث؟ طالما كانت الفئات العمرية عبارة عن نتاجات اجتماعية تتطور عبر التاريخ لتتخذ أشكالاً ومفاهيم ترتبط بالأوضاع والحالات الاجتماعية، فكما أن لكل مجتمع قيمه وعقله الجمعي الذي ينضبط ويحتكم إليه فإن له مفهوماً خاصاً للشباب وتحديداً اجتماعياً لخصائصه وتحولاته. بل أننا نجد داخل المجتمع الواحد أكثر من مفهوم للشباب وذلك كله في اتصال وثيق مع ما يعتمل داخل هذا المجتمع ويتفاعل فيه. والنتيجة في النهاية شباب لكل مجتمع مختلف نوعاً ودرجة عن شباب أي مجتمع، ومنه نصل إلى التأكيد على أن لكل شباب قضاياه وأسئلته التي تتنوع بتنوع المجتمعات. مما دفع بعض الباحثين للتخلي عن مفهوم الشباب لصالح مفهوم أكثر إجرائية من الناحية العلمية إلا وهو مفهوم المرور إلى سن الرشد. وهو ما يتيح للدول والمجتمعات أن تحدد المدى العمري الخاص بها لتحديد فئة الشباب بما يلاءم واقعها وظروفها وبخاصة في حالة الدول النامية التي تتفاوت حسب الفئة العمرية. فهناك دول تحدد سن 18-30، لكن الغالبية العظمي منها تتجه لرفع سن الشاب إلى 40 عاماً كما هو الحال عندنا في السودان، وهو تحديد تأخذ به هذه الورقة فى مجرياتها.
ثمة مؤشرات هامة تذهب الى أهمية الاهتمام بفئة الشباب في البلدان النامية إذ أنهم يشكلون الشريحة الأكثر تزايداً من سكان العالم ولهم تأثيرات كبيرة على بلدانهم كما تظهر العديد من الإحصاءات التي تدلل على أن نسبة الأطفال والشباب تكاد أن تبلغ 50% من تعداد السكان في البلدان النامية، أي بمعني أن 85% من الشباب في العالم يعيشون في تلك البلدان، مما يجعلهم يشكلون نسبة 47% من إجمالي العاطلين عن العمل على مستوي العالم بينهم عدد لا يتجاوز الـ 113 مليون شاب أمي، بحيث تقل نسبة الشباب الذين يتمون مرحلة الدراسة الثانوية عن 20% في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، كما يتهدد هذه الشريحة في حدود الدول النامية احتمالات الإصابة بفيروز الإيدز إذا اعتبرنا واقعية تلك التقديرات التي تذهب إلى أن نصف الإصابات الجيدة بالمرض تحدث وسط الشباب تحديداً.

التربية الديمقراطية.. إطار تفسيري
على أساس أشكال التداخل الملحوظ في المجال النظري نكاد نجد على المستوي التطبيقي نمط من الاتفاق بين الدارسين والمهتمين بقضايا التربية الديمقراطية والتربية الوطنية، بالإضافة لمفهوم آخر نسبي هو التربية المدنية، على اساس أن جميع هذه المفاهيم والمسائل قد تم استلافها من الإطار الكلي للعملية المقصودة بالبحث والدراسة والتي هي عملية التنشئة السياسية، كعملية تهدف إلى تلقين القيم والاتجاهات السياسية لأفراد مجتمع معين بشكل مستمر، وأحياناً تكون العملية معنية بنقل قيم واهتمامات اجتماعية ذات اتجاهات سياسية لنقل الثقافة السياسية عبر الأجيال، او تكوين الثقافة السياسية وتفسيرها، في حدود أنساق ومؤسسات اجتماعية مختلفة تقوم بهذه الادوار.
تهتم التربية الديمقراطية بتشكيل ذات الفرد وهويته باعتباره عضو في مجتمعه، إذ يتوقف نجاح التربية الديمقراطية على قدراته وإسهاماته الحية على صعيد المجتمع، لذا نجد ضرورية تنمية القدرات الخاصة لكل فرد، بتكوين التصور الإيجابي الذي يؤهله لتحمل الأعباء والمسؤوليات الملقاة على عاتقه والتمتع بالحقوق المتوفرة بعد الوعي بها مثل حرية التعبير، حق الحصول على العمل، حق الحياة الحرة الكريمة. وتشجع التربية الديمقراطية على تنمية الفروق الفردية الفطرية والمكتسبة القائمة بين أعضاء المجتمع لتنوع الكفايات وحاجة المجتمع نفسه لتلك القدرات والاستعدادات. ومن هنا جاءت اهتمامات التربية الديمقراطية بالتنشئة السياسية عن طريق صياغة الفرد الديمقراطي المؤهل للعيش في المجتمع الديمقراطي كتربية سلوكية تهدف إلى النظام ومن هنا جاءت فكرة الاهتمام بالتنشئة السياسية الديمقراطية.
وتنشأ العلاقة بين الديمقراطية والتربية بالنظر إلى المفهوم والمدلول الواسع للديمقراطية كطريقة حياة أو مجموعة من العلاقات الإنسانية والمحكومة بالقانون الاجتماعي الأخلاقي، وهنا يتحدد معني للديمقراطية يتناولها بمعيار احترام ذات الفرد والثقة في ذكائه وقدراته، والأساس الفلسفي لهذا المعيار يكمن في أن الفرد يكون فكرته عن نفسه في محيط تداخل نمط علاقاته في المجتمع بوسائل تساعده على تنمية الاتجاهات الضرورية للتكيف مع شروط بيئته المحيطة، حتى يكون قادراً على المشاركة والتعاون في إعادة بناء واقع الحياة في ثقافته وعلى ضوء المقومات العامة للديمقراطية مثل:-
- احترام شخصية الفرد والإيمان بأهميته.
- تكافؤ الفرص والمساواة.
- حرية التعبير عن النفس.
- حق الأقلية في المشاركة في مجالات الحياة.
- القيادة.
- حرية اختيار نوع العمل ومتابعته.
- الحرية في أحداث التعبير.
- التخطيط المشترك.
- ترجمة القيم الديمقراطية إلى سلوك حركي.
تعود أهمية التركيز على الفرد وأدواره في التربية الديمقراطية كنوع من ترشيح هذه القيم في نفوس الأفراد ومن ثم توجيههم نحو العمل العام الجماعي الذي يعني الإيمان بأهمية العمل التعاوني المشترك في المجالين الاجتماعي والسياسي، كشعور بواجب المسؤولية تجاه المجتمع وقضاياه مما يدفع المواطن إلى الايجابية في التعامل مع القضايا والموضوعات في ظل ثقافة متشابهة مؤداها الإحساس بالولاء الجماعة، والي تتعايش على مرجعية وهوية تتكامل فيها القيم والأهداف والقدرات، ذلك لتحاشي الصراع بين القيم والدوافع في إنتاج صورة مقبولة اجتماعياً، وهنا تبرز مشكلة الهوية لدى الشباب كجماعة اجتماعية متميزة، لها ثقافتها الفرعية الخاصة، فهناك عوالم عدة قادت إلى ظهور هذه المشكلة لدى الشباب منها:-
- سرعة التغير في المجتمع.
- التشتت النفسي.
- التحديث.

أدوات التربية الديمقراطية
تتنوع وتتعدد الأدوات التي تلعب أدواراً رئيسياً في علمية التربية الديمقراطية، لكن هناك تأثير واضح للمؤسسات المناط بها تشكيل وعي الفرد بنقل الاتجاهات والقيم والمبادئ واختزانها للإفادة في تحديد المواقف السلوكية. وهذه المؤسسات تتمثل في:-
أ‌. الأسـرة
وتعتبر من أهم أدوات التربية الديمقراطية، إذ تعتبر مؤسسة أساسية يكتسب عن طريقها الفرد قيمه الاجتماعية ومعاييره السلوكية التي تساير أنماط الثقافة السائدة في المجتمع وهنا تأتي أهمية وعي أفراد الأسرة أو إلمامها بالقيمة الديمقراطية للتنشئة والتعامل معها.
ب. دور مؤسسات العمل:
وتؤثر مؤسسات العمل في التنشئة من خلال ما يدور داخلها من علاقات واتصالات ومعاملات بين الرؤساء والمرؤوسين وبين العاملين في تلك المؤسسات بعضهم البعض، بحيث أنه كلما اتسمت هذه العلاقة بالود والتعاون والمشاركة في اتخاذ القرارات. وفي تسيير أمور المؤسسة، كلما كان الفرد أكثر ميلاً للمشاركة خارج نطاق العمل.
ج. دور الأحزاب السياسية:
تقوم الأحزاب السياسية – الديمقراطية – بدور كبير في عملية التربية الديمقراطية ومن خلال تأكيد القيم الديمقراطية، وتوجيه منتسبيها في إطار ما تقدمه من معلومات وما تمارسه من تأثيرات على الآراء والقيم والاتجاهات السلوكية السياسية للجماهير، مستخدمة في ذلك ما تملك من وسائل اتصال بالجماهير، وبالأخص الشباب الذي يمثل القطاع الأكبر من تلك الجماهير، وذلك بدعم الأحزاب للثقافة السياسية السائدة أو خلق ثقافة جديدة.


د. دور وسائل الإعلام
تؤدي هذه الوسائل من صحف، ومجلات وإذاعة، وتلفزيون دوراً هاماً في عملية التنشئة السياسية، إذ تزود الفرد – الشاب – بالمعلومات السياسية، وتساعد في تكوين وترشيح قيمه الديمقراطية، ففي المجتمعات المتقدمة تنتشر الوسائل الإعلامية على نطاق واسع وتقوم هذه الوسائل بنقل المعلومات عن المطالب وردود الأفعال بالنسبة للجماهير، وهذا التدفق الحر للمعلومات من أعلى إلى أسفل وبالعكس من شأنه العمل على تأكيد قيم الثقافة الديمقراطية وأنموذج قيمها السائد، ويقتضي تعظيم الاستفادة من الوسائل الجماهيرية حدوث نوع من التعاون والتضافر لجهود أخرى تبذلها مؤسسات ترى في دعم التربية الديمقراطية هدفاً كلياً لها.

الشباب السوداني... أسئلة الواقع والقضايا
في خصوص أي محاولة لمعرفة أو تقصي أوضاع وواقع شريحة الشباب في السودان، تقف مجموعة كبيرة من الصعاب والعقبات التي تدلل بمعني أو آخر على طبيعة الأزمة الحقيقية التي تواجه فئة تشكل القوة الديمغرافية الرئيسية في موازين العلاقات الاجتماعية، باعتبار أن هذا الوزن الذي يمثله الشباب يبرز بطبيعة الحال جانباً من تلك ألأهمية التي يحوزها كجيل نشأ في سياقات شديدة الاختلاف عما كان عليه الحال في الماضي، لكن للوقوف على طبيعة حالته تضعف الحقائق والأرقام وتندر الدراسات أو حتى المسوحات التي تساعد صانعي القرار والمهتمين بقضايا ومشكلات الشباب في الاستعانة بها لبناء قاعدة بيانات تنطلق منها كافة الجهود الموجهة للتعامل مع الشباب، باعتبارها مؤشرات حقيقية للظروف التي أنتجت جيل الشباب السوداني في الوقت الحاضر بما له من سمات واتجاهات وقيم تمثل حجر زاوية للبنية التي يكون عليها الشاب مستقبلاً، إلا أن غياب تلك التدابير تؤكد مدى الإهمال وعدم التقدير الذي تواجهه فئة الشباب السوداني من قبل الجهات الرسمية والأهلية أو المدنية المعنية تحديداً بقضايا الشباب في كافة أشكالها وأبعادها المتداخلة. فالشباب في أي مجتمع هم الأمل ومصدر الخطر في آن واحد سواء في الحاضر أو المستقبل، استناداً إلى ما يمثله الشباب – دائماً – من قوة مستمدة من مكانتهم المتميزة، وكمصدر للتجديد والتغيير، وكذا الحال عندنا في الذهنية السودانية التي ظلت داخل وخارج مؤسساتها تسعي لفصل الشباب عن السياق المجتمعي الكلي، مما أفضي لحالة التمايز الراهنة.
يمثل الشباب السوداني أكثر من نصف عدد السكان، كما يعتبر السودان في التوصيف الديمغرافي قطراً شاباً لاتساع قاعدة الشباب فيه. لذا يبدو اعتبارهم نصف الحاضر وكل المستقبل من قبيل الحقائق والمسلمات التي يمكن أن نلمسها في حياتنا اليومية بصورة لا يمكن تجاهلها أو إغفالها، وقد ترتبت على هذه المكانة التي يمثلها الشباب من حيث تقديرهم الكمي نتائج متعددة الأثر بالغة العمق جراء تجاهل قضاياه وأسئلته المفتوحة حول ظهور عوائق الإدماج المفترضة مع باقي مؤسسات وفئات المجتمع مما جعل منها ظاهرة وأزمة تحتاج للتشخيص الموضوعي الأمثل والتدخلات القصدية لإنهاء حالة الإقصاء والإهدار الواعي لطاقات الشباب عن طريق تهميش قضاياهم وأبعادهم عن دوائر صنع القرار والتأثير من قبل المجتمع الأكبر الذي تسوده عقلية الطاعة على حساب عقلية التعاطي والحوار وهي عقلية بيروقراطية تعتقد بالبناء الهرمي للتفكير العقلاني الذي يقوم على الارتكان إلى خبرة السن والفوارق الجيلية والوطنية.
هناك مستويات ظلت معروفة في تناول قضية الشباب في السودان كمعطي معزول يحتاج لنوع من الحلول الآنية والمباشرة تركزت مثلاً في تحديد الوضع الاقتصادي للشباب وما يعانيه من ظروف الفقر والبطالة كتصور أخير في شأن القضية، على الرغم من تسليمنا بأهمية مدخل الفقر والبطالة إلا أن السياق والبيئة الكلية بالتوقيت الزماني والاجتماعي التي تشكل في سياقها واقع الشباب مردود لطبيعة السياسات الاقتصادية الكلية وما أنتجته من أزمة ظاهرة كان الشباب أول المتأثرين بها. كرأس مال بشري مغيب في السياسات والاستراتيجيات التنموية للدولة. إذ أن قضية الشباب السوداني تكاد لا تنفصم في مجملها عن طبيعة القضايا الماثلة التي يواجهها الشباب على مستوي العالم وبخاصة البلدان المستقرة نسبياً لتظل خيارات ومحددات البنك الدولي الواردة في تقرير التنمية والجيل القادم لعام 2007م، متضمنة للشواغل والحاجات المشتركة بالنسبة لمختلف قطاعات الشباب لهدف الوصول لمشاركة الشباب وإدماج قضاياهم في السياسات العامة لجهاز الدولة من خلال :-
- مواصلة التعليم.
- البدء في العمل.
- اعتماد أسلوب حياة يتيح الصحة العافية.
- إنشاء أسرة "الزواج".
- ممارسة المواطنة.
على الرغم من أوجه التشابه و التلاقي إلا أن مشكلات وقضايا الشاب السودانى تتفاوت بدرجة أو بأخرى، لكن تظل قضايا الوضع التعليمي والأمية وسط الشباب هي القضية الأكثر إلحاحاً، نسبة لارتباطها الطبيعي بالقضية مسار النقاش والطرح بالنسبة للورقة، إذ تشير معظم الإحصاءات الرسمية إلى تدني نسبة الانتظام الدراسي في أوساط الشباب عبر مراحل التعليم المختلفة، كانعكاس لمشكلات أخرى تتعلق بالأوضاع المادية وصعوبتها، أو لعدم الرغبة في متابعة الدراسة والرغبة في مساعدة الأسرة، عدم رغبة الزوج، عائق الخدمة الإلزامية.
هذا وتشير التقديرات المتعلقة بقضايا العمل عند الشباب السوداني في المراكز الحضرية خاصة الذين تحصلوا على مؤهلات تعليمية تساعدهم على مزاولة العمل في القطاعات المنظمة، تشير إلى صعوبات حقيقية تواجه هؤلاء الشباب مما يضيفهم لمدى أطول الى جيوش العطالة، اذ تبلغ نسبة الذين يبحثون عن العمل لمدة خمس سنوات فأكثر إلى ما يفوق نسبة ال 50%، تجدهم منحصرين في الوظيفة الحكومية والقطاع الخاص، هذا بجانب الفاقد التربوي من الشباب والأميين فهؤلاء لا يمتلكون أين نوع من الخبرة التي تؤهلهم للمنافسة في سوق العمل. ويعظم من هذه القضية وفرص معالجتها غياب الدراسات والإحصاءات، عدا بعض جهود وزارة العمل سنة 1990م حول بطالة الخريجين، وسجلات لجنة الاختيار التي تعوزها الطرق المنهجية لتشغيل الخريجين.
ففي ظل تردي الأوضاع التعليمية والاقتصادية بالنسبة للشباب السوداني فإنه من الطبيعي والمتوقع أن تنتابه أحياناً بعض مشاعر القلق والخوف على المستقبل، لكن سرعان ما يتحول هذا الشعور في حالات كثيرة إلى تدهور في الأوضاع الصحية عند الشباب في النواحي العضوية والنفسية، و تسود فى العموم حالات مثل صعوبة التكيف مع الآخرين، وصعوبة اتخاذ القرار الحازم، والشعور بالفشل، وما ظواهر إدمان المخدرات والمشروبات الكحولية، تناول المهدئات أو المنشطات، إلا نتاج سالب لحقيقة الأزمات التي يمر بها الشباب السوداني، الذي يجهل الجزء الكبير منه الطرق التي ينتقل بها مرض الإيدز. وهى تحديات تعوق الشباب من تحقيق أحلام أخرى كالزواج والحياة الأسرية.
عليه فقد اتجهت معظم الآراء إلى تصنيف مشكلات الشباب السوداني كهموم وقضايا على النحو التالي:-
- قضايا العمل أو العطالة وتشغيل الشباب.
- الوضع الصحي.
- الوضع التعليمي "مشكلة الأمية وسط الشباب".
- قضايا الهجرة.
- مشاركة الشباب في صنع القرار على المستوي السياسي.
- تأثيرات الحرب على جيل الشباب.
تمثل المعطيات الحالية لوضع الشباب ناقوس خطر يحذر من تبعات إقصاء وأبعاد الشباب كرأس مال اجتماعي واستثمار في المستقبل لصالح أساليب الوصاية والحجر التي يواجه بها المجتمع الشباب وطموحاتهم، التى تشكل طابع القضايا الحيوية لمطالب الشباب المتمثلة في التحرر والمشاركة والتعبير، كشروط مرحلية تؤسس لظاهرة الرفض وسط الشباب أن لم يكن الشعور بالاغتراب وهي استجابات تنشأ وتسود بين الشباب في مقابل المعايير والقيم وبناء القوة وطبيعة السلطة الموجهة للحياة، بجانب شكل القيادة والتوجيه الذي يمارسه الكبار ويشعر فيه الشباب بالتغييب، إذ أن هذا الرفض والشعور بالاغتراب وسط الشباب السوداني بات يمثل موقفاً موحداً له خصائص وملامح تكاد تكون مشتركة، حيث تولد بين الشباب بشكل ملحوظ شعور بعدم الانتماء للمجتمع ككل، وهذا ما يدلل على مظاهر رفض الواقع المعاش بالنسبة للشباب على أساس أنه لم يعد يمثل طلعاتهم الطموحة، فهو واقع متخلف من حيث الطبيعة الشمولية الكلية التي لا تقبل التجزئة وإنصاف الحلول، والشباب يرى اليوم بصورة موضوعية أن اختلاف أولويات النسق القيمي هى السبب الذي يجعل المجتمع غير قادر على تفهم حاجاته وقضاياه ومشكلاته، بما فيه شعورهم بأن أسرهم لم تعد تهتم بهم، وأنها - أي الأسرة – لم تعد تمثل المحيط المناسب الذي يستطيعون فيه إشباع حاجاتهم، على صعيد تنشئتهم وتنميتهم اجتماعياً وسياسياً، الشيئ الذي انسحب على مسألة التعليم وما يقدمه للشباب السوداني، حيث بدأ الكثير من الشباب في رفض نوعية التعليم الذي حصلوا عليه وما يتلقونه باعتبار انه لا يقدم لهم سوى القدر الضئيل من المعارف المعاصرة والقدر الأقل من المهارات الضرورية لحياتهم المستقبلية، مما أدي بالضرورة إلى تعطيل فرص اكتساب الخبرات العلمية التي تؤهلهم للتأقلم الحقيقي والتكيف الإيجابي مع ظروف الواقع الذي يعيشونه.
أحدثت تلك الإشكالات التي يعيشها جيل الشباب في السودان نوعاً من الشروخ الواضحة والعصية في النسيج المجتمعي ككل، خصوصاً وأن المجتمع السوداني ظل مفتقداً لتلك الشريحة من حيث أدوارها والاستفادة من فاعليتها وحيويتها، وقد أدي ذلك التجاوز والإهمال أو غض الطرف المتعمد إلى ظهور جيل من الشباب المتسم بالعزوف والانطواء على نفسه، مما جعل الجزء الأكبر منه يقع تحت الاستغلال من قبل جماعات المصلحة التي تلتف حولهم لتحقيق أغراض شخصية، هذا أن لم يقع فريسة لبعض الآراء والأفكار المتطرفة وقد تبدو الاستجابة السريعة للشباب في الانضمام للحركات المسلحة كنوع من التعبير وتحقيق الأهداف.
تمثل تلك الظروف التي أفرزت هذا الواقع المأزوم بالنسبة لحالة الشباب السوداني، تمثل أشارات في اتجاه طبيعة تمرحل تشكل بناء المؤسسات الاجتماعية في السودان، وضعف نظم التكامل في الأدوار الذي يظهر في الخطط والتصورات التنموية الحكومية وهي تهمل بشكل مستمر شريحة كالشباب لها ما تستطيع إنجازه في عمليات النهوض والتنمية باعتبارهم جيل الفاعلين الرئيسيين في المستقبل، لكن غياب نمط التفكير والاستعداد للديمقراطية على صعيدها الاجتماعي/التربوي والسياسي الفكري في تاريخ تطور نظم الحكم في السودان، افرز بيئة كبت وحرمان نشأ فيها الجيل الحالي بأكمله من الشباب السوداني وهو ما عزز فيه حالة الاغتراب تلك جراء غياب الوسط الديمقراطي في معناه الاجتماعي كوسط مربي يسعي لتحقيق التغيير الاجتماعي لصالح نمو الفرد والمجتمع في السودان، وبانعدام شروط التفاعل الخلاق والإدماج الإيجابي في مؤسسة المجتمع طرأت تحديات الراهن التي يمكن إجمالها في مفهوم :أزمة جيل الشباب". الذي يحتاج لنوع من سياسات الرعاية التي تؤهله للعب أدواره بفاعلية من خلال إتاحة البدائل الممكنة من خلال :-
1- إتاحة الحقائق للشباب في سبيل الوعي بقضاياه ومشكلاته، وماهية العوائق التي تحول دون إشباعها، وذلك لتحقيق المشاركة العادلة والمنصفة في الحياة الاجتماعية القائمة، وما ينطوي عليه من إمكانية تغيير العلاقات الهرمية القائمة. وهنا تحتل مسألة التربية الديمقراطية أهمية قصوى إذ أنها تتيح:-
- دعم الروح الجماعية والتعاون في التفكير.
- توفير المناخ الملائم أمام الشباب لوضع النظام الاجتماعي والسياسي موضع تساؤل.
- تصميم إستراتيجيات لدمج الشباب في الحياة العامة.
- وضع تصورات لمواجهة البيروقراطية المستترة والمعلنة للسياسات الموجهة نحو الشباب، لمقاومة ثقافة الطاعة والخضوع والسلبية، والممارسات المرتبطة بها.
مقترحات وتوصيات
لاشك في أن إتاحة الفرصة أمام الشباب لكي يتحمل مسئوليات القيام بواجباته تجاه مجتمعه الكلي تحتاج قدراً من الوعي الديمقراطي الذي تعزز فاعلية أدواره، داخل نطاق بيئة المجتمع المتعدد والمتنوع، عن طريق الوعي والحوار المدرك لحاجات الشباب والمجتمع، وبغرض تحسين أوضاع المستقبل من خلال:
- إعداد قاعدة بيانات حديثة ومتكاملة حول أوضاع الشباب في السودان لرصد واقعهم ومعرفة مشكلاتهم وحاجاتهم الأساسية في مختلف المجالات بغية تشخيصها وتحليلها ووضع الخطط والبرامج المناسبة لمعالجتها بالتعاون والتنسيق مع كافة الجهات الرسمية والشعبية والأهلية المعنية بقضايا الشباب.
- رفع أشكال الوصاية على الشباب وإتاحة الفرصة أمامهم لممارسة أدوارهم بحرية وذلك من خلال الضغط لتطوير تشريعات واضحة تتلاءم مع المعايير الواردة في العهود والمواثيق الدولية.
- ضمان حرية تكوين المؤسسات والتنظيمات الشبابية والانضمام إليها ورفع القيود التي تحول دون استقلالها وتحقيق أدوراها في التنمية الشاملة وتعزيز الديمقراطية.
- اعتماد قضايا التربية الديمقراطية والتثقيف المدني في مختلف مؤسسات ومناهج التعليم، بدلاً عن المناهج العسكرية.
- وضع خطة عمل بين المنظمات العاملة في مجالات تنمية ورعاية الشباب لدمج المضامين المتصلة بالتربية الديمقراطية في مفاصل الخطط الفرعية لمختلف المنظمات والهيئات الشبابية.
- تشجيع إنشاء منابر الحوار الشبابي بين المجتمع المدني والقطاع الحكومي، بجانب القطاع الخاص لتطوير برامج تساهم في نشر ثقافة الديمقراطية بين القطاعات الاجتماعية المختلفة.
- أتباع التخطيط العلمي السليم في مجال الإعلام عامة، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة خاصة، بحيث تصبح الرسالة الإعلامية ذات تأثير فعال في مجال التنشئة والتربية الديمقراطية، مع الوضع في الاعتبار الاختلافات بين المستهدفين وذلك لتعميق شعور الشباب بالانتماء للمجتمع. وإصدار نشرات وصحف خاصة بالشباب تعبر عنهم وعن مشاكلهم.
- ضرورة تدريب الشباب الذي فاتته فرص التعليم، تدريباً مهنياً يكسبهم المهارات الفنية والخبرات العملية التي تمكنهم من القيام بأعمال يمكن أن يكون لها عائد اقتصادي مباشر لهم ولأسرهم، وبهذا تتحقق الاستقلالية والاعتماد على النفس عوضاً عن الاتكالية والتبعية مع توفير فرص العمل المجزية للشباب الخريجين.
المراجـع
المنجي الزيدي "مقدمات لسوسيولوجيا الشباب"، مجلة عالم الفكر، يناير 2002م، المجلس الوطني للثقافة الكويت.

أمير النقر "الاستثمار في الشباب بعد اتفاقية السلام"، الجمعية السودانية والمشاركة السياسية، دار الثقافة للنشر، القاهرة، 1984م.

سعد إبراهيم جمعة الشباب والمشاركة السياسية، دار الثقافة للنشر، القاهرة، 1984م.

عبد الرحيم العطري "سوسيولوجيا الشباب"، مجلة العلوم الاجتماعي، د.ت.

ناجي شيخ الدين "حالة الشباب السوداني"، الجمعية السودانية للأمم المتحدة، أغسطس، 2007م.

محمد علي محمد الديمقراطية والتربية في السودان، دار عزة للنشر والتوزيع، 2005م.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق